الإنترنت : كواليس الصراع حول التحكم في الشبكة


يظن معظم من يستخدمون الشبكة العالمية (الإنترنت) أنها فضاء حر خال من أية سيطرة، ولا يعلمون أن هناك من يتحكم بالكثير من أمور الشبكة ومقدراتها، ومن ذلك طريقة تسمية المواقع، فلماذا لا بد من أن تكون أسماؤها بالحروف اللاتينية؟ ولو فكرنا مثلا بأن يكون اسم موقعنا بلغتنا، فما المانع من ذلك؟ المانع هو بالتأكيد ليس تقنياً، بل هو في حول القضايا المتعلقة بتسجيل أسماء النطاقات والدورالذي تقوم به الآيكان: (ICANN : Internet Corporation for Assigned Names and Numbers) بهذا الخصوص وموضوعات على هامش هذا المؤتمر، كان لنا لقاء شامل بالأستاذ خالد فتال، المدير التنفيذي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة مينك: (Multilingual Internet Names Consortium)، ليحدثنا عن ما يجري في كواليس الشبكة العالمية، وعن ما علمناه مؤخراً من اعتراض (مينك) على الطريقة التي تقوم بها (آيكان) بإدارة الشبكة العالمية، وأين وصل الأمر بين المؤسستين، وغير ذلك من الأمور التي نراها غاية في الأهمية، لأنها تحدد مستقبل الشبكة العالمية التي غدت العصب الحساس لكل تقدم وتطور ونهضة. وجدير بالذكر أن الأستاذ خالد فتال هو أيضاً عضو في لجنة استشارية خاصة تابعة لآيكان، ومهمة هذه اللجنة تقديم الاستشارات المتعلقة بأسماء النطاقات العالمية، لرئيس (آيكان) ولمديرها التنفيذي ولمجلس إدارتها، أي أن الأستاذ خالد فتال يتكلم عن (آيكان) من الداخل، وعلى اطلاع تام بما يجري في كواليسها.

وفيما يلي تفاصيل هذه اللقاء.

مجلة التقنية : أستاذ خالد، حدثنا باختصار عن مؤسسة الآيكان ودورها في عالم الأنترنت، وما علاقتها بالتحديد بموضوع أسماء النطاقات على الشبكة العالمية

خالد فتال : تأسست الأيكان عام 1998 بعد إشارة من البيت الأبيض أثناء إدارة كلينتون، لأنه كان هناك حاجة لإدارة الأنترنت التي كانت تديرها آنذاك الحكومة الأمريكية مباشرة، وأسست الآيكان للقيام بدور بسيط لتكون إدارة الشبكة تابعة لإدارة خاصة عير حكومية، وكان الاتفاق الأولي أن تقوم المؤسسة بإدارة الشبكة لمدة سنتين تحت هيمنة الحكومة الأمريكية، لتكون بعدها مؤسسة مستقلة، وكانت النطاقات العالمية آنذاك كلها باللغة الإنكليزية ولم تكن النطاقات العالمية موضع بحث، ولم يكن هناك أي تفكير لاعتبار اللغات الأخرى غير اللاتينية في هذه النطاقات.

وبعد عشر سنوات من هذا الاتفاق مع الحكومة الأمريكية، لازالت الحكومة الأمريكية هي صاحبة السيادة الحقيقية على الشبكة من خلال هذه الاتفاقية مع الآيكان، وكان الدور الرئيسي للآيكان هو إدارة تسحيل الأسماء، ويومها لم يكن هناك إلا الأسماء الأساسية المشهورة مثل: (net. , org. , com)

مجلة التقنية: هل قامت هذه المؤسسة بالدور المطلوب منها خلال السنوات الماضية؟ وما هي خلفيات ما نسمعه عن عدم رضى بعض الدول أو المجتمعات الدولية عن دورها في جعل الشبكة وسطاً عالميا لا إنكليزياً.

خالد فتال: لقد طرحت الحكومة الأمريكية هذا السؤال مؤخرا على جميع أطراف المجتمع الدولي دون استثناء، سائلة إياه عن المدى الذي نجحت فيه الأيكان بالقيام بدورها، وإن كانت هناك أية مجالات للتطوير، وقد حصلت على ما مجموعه 172 رد، وكان معظم الدرود من المجتمع الغربي، بما في ذلك مؤسسات مشهورة في دورها في الشكبة الغربية، (منها الأستراليين) الذين طالبوا بالشفافية في الإجراءات واتخاذ القرارات، كما قامت مؤسسة (مينك) بتقديم قائمة متكاملة إلى الأيكان تضم النقاط التي لم تقم بتطويرها خلال السنوات العشرة الماضية، مع طرح توصيات محددة للتطوير تم رفعها للإدارة الأمريكية ولمجلس إدارة الآيكان، وذلك لتستطيع الآيكان أن تقوم بالدور المنوط بها أمام المجتمع الدولي، وهذه القائمة مع التوصيات موجودة ومترجمة باللغة العربية على الرابط التالي:http://minc.org/news.aspx?id=393〈=en

مجلة التقنية: سبق أن قلت إن عقد الحكومة الأمريكية مع الآيكان مؤقت، ولكنه لا زال ساريا حتى الآن، هل هناك نية عند الحكومة الأمريكية لتصبح هي الوصية على الشكبة؟ هذا مع العلم أن مؤتمر قمة المعلومات الأخير كان يعارض هذا الاتجاه وبشدة.

خالد فتال: لقد تم تجديد العقد عدة مرات حتى الآن، وهناك توضيح مهم يجب أن يعلمه القارئ، وهو أن هناك مؤسستين قد تم دمجهما معا ويقومان بدورين مهمين هما الآيكان وأيانا، الأيانا هي التي تقوم بالإدارة التقنية للإنترنت والتي تسمح لدول العالم أن تستخدم الشبكة، وتتحكم أيضا بشيفرة أو رمز البلدان (هي الامتدادات التي تضاف على أسماء النطاقات للتعبير عن البلدن مثل uk المملكة المتحدة و sa للسعودية) أما الأيكان فهي تقوم بالمهمات الإدارية المتعلقة بإدارة الشكبة، والحكومة الأمريكية تهيمن حاليا على هاتين المؤسستين، والملاحظة المهمة جدا هي أن رغبة الحكومة الأمريكية في إنهاء العقد مع الأيكان لا يمتد إلى الأيانا بل ستبقى هي المهيمنة على الأيانا، بعبير آخر فإن إنهاء العقد مع الآيكان لايلغي سيطرة الحكومة الأمريكية على الشبكة لأن هذه السيطرة ستبقى من خلال الأيانا، وبالتالي فإن فك ارتباط الحكومة مع الآيكان هو من باب العلاقات العامة والتسويق لتستطيع الآيكان أن تقول إنها مؤسسة غير حكومية.

مجلة التقنية: عفوا..هناك سؤال هام آخر قبل المضي في الحوار، هل يعني ذلك أن الحكومة الأمريكية لو شاءت فبإمكانها أن تحجب الشبكة العالمية عن أية دولة، أو تمنع شيفرتها عن الشكبة العالمية؟ بتعبير آخر، هل يمكن أن تقوم بضغطة زر بقطع الاتصال بالشبكة عن أية دولة؟

خالد فتال: هناك أمران: الأول هو أن الحكومة الأمريكية ومن خلال الأيانا تستطيع أن تمنع تشغيل أية شيفرة لدولة معينة، والمقصود بذلك أنها تستطيع لو شاءت أن تمنع أية دولة من استخدام الامتداد الخاص بها في أسماء النطاقات، مثل sy لسوريا، وae للإمارات وly لليبيا وغيرها، ، ولكن هذا السؤال تم طرحه على الحكومة الأمريكية أكثر من مرة ونفت نيتها القيام بمثل هذا العمل لأنها كما تقول تتولى الأمر الأمر بنوع من المسؤولية، ولدي القناعة التامة أنهم جديون في هذه الإجابة، ولكن كما رأينا في السنين الماضية وبالتحديد خلال إدارة بوش الابن، كنا دائما نتفاجأ ببعض القرارات غير المتوقعة، والتي أوصلت الإدارة الأمريكية الحالية لتكون غير محبوبة عالميا، وليبقى السؤال الأهم، لماذا تكون الهيمنة على الأيانا من قبل دولة واحدة؟ ألا يجب أن تكون هذه المسؤولية مناطة بالمجتمع الدولي بما فيه الحكومة الأمريكية لما لديها من خبرة في هذا المجال وفرها لها السبق خلال السنوات الماضية؟

أما الأمر الثاني فهو حجب الشبكة بشكل كامل عن دولة ما، فهذا وإن كان ممكنا تقنيا ولكنه غير وارد أبدا لأنه ليس من مصلحة أية حكومة، فإجراء كهذا سوف يؤذي الاقتصاد الأمريكي وسيظهر أمريكا أمام كل دول العالم وكأنها تحتل الوسط الشبكي وهذا ما لا تريده أمريكا.

مجلة التقنية : في الجزء المقبل بعون الله تعالى نكمل مع الأستاذ خالد فتال تفاصيل هذا اللقاء الهام لكي نتعرف معا على مسيرة الآيكان، و ما هي الوسائل التي يمكن أن تساهم في جعل إدارة الشبكة أكثر عدالة من الوضع الحالي.

___________

مجلة التقنية