تشير بعض الدلائل القوية إلى وجود مواقع يعتقد أنها تحوي "مكبات نووية أو كيماوية" في بعض المناطق المحيطة بقرى وبلدات محافظة الخليل، مثل مكب صحراء بني نعيم، حيث أكد البدو المقيمون في المنطقة أن الإسرائيليين أغلقوا أحد الكهوف الكبيرة بالإسمنت، بعد دفن مواد غريبة في الكهف. وتم تمويه لون الإسمنت بلون الصخر ووضعت فيه قضبان حديديه على شكل براغي. واللافت للنظر أنه إثر إنشاء هذه "المكبات" تفاقمت حالات السرطان والتشوهات بين سكان المنطقة. هذا ما قاله د.محمود سعادة الأخصائي في الجراحة الباطنية الذي أشرف على تشخيص ومعالجة العديد من الحالات السرطانية في قرى جنوب الخليل.
وتابع سعادة: هناك براميل تحوي مخلفات مواد كيماوية ومشعة، تدخل محافظة الخليل بواسطة تجار يجلبونها من منطقتي ديمونا و"رمات حوفيف". ويباع البرميل الواحد بسعر 10 شواقل، وهو يحوي مواد خطرة. وأكد أن هناك نحو 50 مكب نفايات خطرة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتحوي هذه المكبات أو المدافن ما يقرب من 200 مادة سامه وخطرة، مثل phenylchloride ,tetrachloride chloridizin , hekochloride , methan gaz .
أما رئيس قسم الصحة في بلدة يطا (عبد الكريم شريتح) فأشار إلى أن عرب الصرايعة المقيمين بجوار بلدة يطا اتصلوا بالبلدية وأبلغوها عن إحضار الجيش الإسرائيلي شاحنات مغلقة على هيئة حاويات ("كونتينيرز") وجرافات وونشات. وتم إغلاق المنطقة، ومُنِع البدو المقيمون هناك من التحرك لأكثر من 10 ساعات، وبعد ذهاب الجيش تبين أن هناك آثاراً لحفر ضخمة دفنت فيها مواد غريبة تخرج منها أسلاك على سطح الأرض. وتبعد هذه المنطقة عن بلدة يطا نحو 11 كم وتعرف باسم منطقة عرب الهذلين. وأكد شريتح أنه لم تأت أية جهة فلسطينية لفحص المنطقة، رغم مرور نحو سنتين ونصف على هذا الحدث.
ظهور المشكلة
لم يجرؤ أي شخص على الحديث عن مفاعل ديمونا قبل قيام الخبير النووي الإسرائيلي "فعنونو" بنشر أسرار إسرائيل النووية في صحيفة "صنداي تايمز" عام 1986، إذ أظهر هذا الكشف أن البرنامج النووي الإسرائيلي أكبر وأكثر تقدما مما كان يعتقد سابقا. وقد حال غياب المعلومات عن المنشأة النووية الإسرائيلية دون قيام الخبراء العرب بدراسة مفاعل ديمونا. أما فيما يتعلق بالأمراض والتسرب الإشعاعي من المفاعل، فقد بدأ الحديث عن هذا الموضوع، في المستوى الفلسطيني، في مطلع التسعينيات، وذلك من قبل بعض الأطباء والخبراء الذين رصدوا نسبة عالية من الأمراض والتشوهات الخلقية وحالات العقم التي لم تكن موجودة من قبل، ولا سيما في المناطق المجاورة للمفاعل، كصحراء النقب وبلدات الظاهرية ويطا (د. محمود سعادة).
مفاعل ديمونا أنشئ مفاعل ديمونا النووي عـام 1963. وقامت بتنفيذه شركة "سان جوبيان" التي تملك الحكومة الفرنسية 66% من أسهمها. ويقع المفاعل أو ما يسمّى بـ"مركز الأبحاث النووية" وسط صحراء النقب. ومن المعلوم أن أرض ديمونا كانت ملكاً لإحدى القبائل البدوية تعرف باسم عرب التائهة. ويبعد مكان المفاعل عن أقرب بلدة فلسطينية في الضفة الغربية نحو 7- 15 كم .وتعتبر بلدات يطا والظاهرية والرماضين والبرج من المواقع المتاخمة والقريبة للمفاعل . تحيط بالمفاعل أشجار عالية ونباتات كثيفة لإبعاده عن الأنظار. وقد أقيمت حول الموقع أسلاك كهربائية وطرق لدوريات الحراسة. وتمهد التراكتورات التربة الوحلية يوميًّا لتسهيل اكتشاف آثار الزوار غير المرغوب بهم. كما نصبت إسرائيل بطاريات مضادة للطائرات حول المكان لإسقاط كل جسم طائر يظهر على الرادار. يوجد على سطح الأرض بناء من طابقين يحوي بعض المرافق، مثل: مقصف، ومكاتب، ومخازن وحمامات. هذا البناء بسيط المظهر ويقع على مسافة غير بعيدة من جسم المفاعل الذي تغطيه قبة ظاهرة لكل من يسافر على طريق ديمونا – إيلات؛.وتسيطر غرفة مراقبة المفاعل على جميع فعاليات الطوابق الخمسة الواقعة تحت الأرض. وقد تحولت هذه الغرفة مع مرور الوقت إلى غرفة الشخصيات المهمة جدًّا. وتلقب هذه الغرفة بـ"شرفة جولدا"؛ لأن جولدا مئير الرئيسة السابقة للحكومة الإسرائيلية، خصصت الكثير من وقت فراغها في مطلع السبعينيات للتجول داخل المفاعل والإشراف على عمله. لقد انتهى عمر المفاعل الافتراضي (30 سنة) منذ عام 1993. وأصبح يمثل قنبلة موقوتـة في فلسطين وسائر أنحاء الوطن العربي. |
مؤشرات على وجود تسرب إشعاعي
تشير بعض الدلائل التي رصدت من قبل جهات دولية إلى احتمال كبير لوجود تسرب إشعاعي في بعض المواقع بجنوب الخليل.
فبحسب التقارير العلمية وصور الأقمار الصناعية لديمونا المنشورة بمجلة "جينز إنتلجنس ريفيو" المتخصصة في المسائل الدفاعية، والصادرة في لندن عام 1999، والتي استندت في معلوماتها إلى صور التقطتها الأقمار الصناعية التجارية الفرنسية والروسية، يعاني المفاعل النووي من أضرار جسيمة بسبب الإشعاع النيوتروني, ويحدث هذا الإشعاع أضراراً بمبنى المفاعل، فالنيوترونات تنتج فقاعات غازية صغيرة داخل الدعامات الخرسانية للمبنى مما يجعله هشًّا وقابلاً للتصدع. علاوة على أن المفاعل أصبح قديماً وتآكلت جدرانه العازلة. كما أن أسُسَه قد تتشقق وتنهار بسبب قدمها، محدثة كارثة نووية ضخمة. وعلى الرغم من استبدال بعض الأجزاء من المفاعل، فإن خلافاً جديًّا يتمحور حول مسألة إن كان من الأفضل وقف العمل في المفاعل تماماً قبل وقوع الكارثة.
يضاف إلى ذلك، أن مفاعل ديمونا - وهو أهم منشأة نووية إسرائيلية - دخل مرحلة الخطر الإستراتيجي, بسبب انتهاء عمره الافتراضي، الأمر الذي يظهر بوضوح من خلال تصدعه وتحوله إلى مصدر محتمل لكارثة إنسانية قد تحصد أرواح الآلاف. ويرى الخبراء أن سبب إصابة الكثير من سكان المناطق المحيطة بالمفاعل الشائخ، فضلا عن العاملين فيه أيضاً، بالأمراض السرطانية، يكمن في تسرّب بعض الإشعاعات من المفاعل.
وقد كشف تقرير أعدته القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، أذيع بتاريخ 1-7-2003، عن أن العشرات من عمال المفاعل النووي ماتوا تأثراً بالسرطان، في وقتٍ ترفض فيه إدارة المفاعل والحكومة الإسرائيلية مجرد الربط بين إصاباتهم -ومن ثَم موتهم- وبين الإشعاعات المتسربة. وقد نسب تقرير القناة الثانية إلى أحد العمال المصابين بالسرطان قوله "إن الحرائق كانت تندلع يوميا تقريباً داخل المفاعل، وقد استنشقنا بخار المواد النووية الخطيرة". في حين صرّح عامل آخر: "كنت كثيرا ما أجد نفسي داخل غيمة صفراء من المواد السامة". الجدير بالذكر أن خبراء الطاقة النووية يؤكدون، استناداً إلى معلومات فعنونو، أن مفاعل ديمونا يصنع 5 قنابل نووية سنويًّا بقوة 20 كيلو طن للقنبلة الواحدة. ويشكل إنتاج البلوتونيوم إحدى أخطر العمليات في العالم؛ إذ إن إنتاج كيلوغرام واحد من البلوتونيوم ينتج أيضاً 11 لتراً من سائل سام ومشع مثل مركبات الأيزوسيانيد Iso-cyanide كمنتج جانبي. وبالرغم من كل المشاكل التي تواجه مفاعل ديمونا، تواصل إسرائيل إنتاج البلوتونيوم داخله. والبلوتونيوم الخام الذي تنتجه إسرائيل عبارة عن مسحوق حامضي أخضر اللون، يسخن في درجات حرارة عالية جدًّا، ويتحول إلى سائل يتم ترشيحه لإنتاج "أزرار" صغيرة بوزن 130 غراماً. ويمكن للمفاعل طبقاً لاعترافات التقني الإسرائيلي فعنونو أن ينتج 9 أزرار أسبوعيًّا. ويقدر ما ينتجه المفاعل سنويا من البلوتونيوم بنحو 40 كغم، أي ما يعادل 10 - 12 قنبلة. ويسود الاعتقاد لدى الخبراء أن المفاعل الإسرائيلي استهلك خلال الأربعين عاماً الأخيرة 1400 طن من اليورانيوم الخام.كما أكدت دراسة جامعية في إسرائيل ، نشرت في تموز 2004، وجود نشاط اشعاعي مثير للقلق، سجل في طبقات المياه الجوفية جنوب فلسطين، والمتصلة بالخزان الجوفي لقطاع غزة. وهذا الإشعاع ناتج عن تسرب الماء الثقيل المشبع بالإشعاعات إلى المياه الجوفية . وقد سجل مستوى النشاط الإشعاعي بدرجات متفاوتة في صحراء النقب ، ووادي عربة على طول الحدود مع الأردن .
وتأكيدا لما سبق، وزعت السلطات الإسرائيلية حبوب اللوغول (اليود غير المشع) على مواطنيها الذين يقطنون في المناطق المحيطة بالمفاعل وذلك من أجل وقايتهم من الإشعاع النووي.
المناطق المتضررة
إذا ثبت، على نحو قطعي، وجود تسرب إشعاعي نووي من مفاعل ديمونا أو في مناطق جنوب الخليل، عندئذ تكون محافظة الخليل هي الأكثر تضررا، نظرا لأن الإشعاعات تنتقل بسهولة من مكان لآخر، ولا يمكن حصر تأثيرها في بقعة جغرافية محددة؛ وبالتالي لا يمكن منعها من التسرب والانتشار، إلا إذا حجزت مثلا داخل صندوق إسمنتي سمك جداره نحو متر (د . خليل الذباينة).
لكن المناطق الواقعه في محيط المفاعل تعد أكثر تأثرا من المناطق البعيدة؛ لذا، تعد بلدات الظاهرية ويطا ودورا والبرج والرماضين والسموع متضررة بشكل مباشر. وحسب الإحصائيات الطبية (د. محمود سعادة) فإن بلدتي الظاهرية ويطا متضررتان بشكل واضح، وذلك لزيادة حالات السرطان والتشوهات الخلقية والعقم.
الدكتور محمود سعادة الذي يعمل طبيبا في بلدة الظاهرية منذ أكثر من عشرين عاما، يؤكد وجود تشخيص أسبوعي لحالات السرطان بأنواعه، ففي شهر أيار 2007، على سبيل المثال لا الحصر، شخص أربع حالات سرطان من بين مرضاه الذين طلب منهم إجراء الفحوصات الخاصة بالسرطان، وأثبتت الفحوصات وجود المرض. ويتلقى المصابون حاليا العلاج في مستشفى بيت جالا.
يقول سعادة إن الارتفاع في عدد الحالات جعله يبحث عن الأسباب المحيطة بالمصابين؛ إذ لم يكن هذا المرض منتشراً بهذا القدر قبل 15 عاما، وإن هناك عاملا غير طبيعي ناتجا عن البيئة المحيطة بالمنطقة، وإن مفاعل ديمونا هو السبب؛ وأوضح سعادة أن ما يثبت صحة حديثه هو معالجته عددا كبيرا من بدو النقب المقيمين داخل إسرائيل، حيث يتوجه هؤلاء للعلاج في البلدات الفلسطينية، وبخاصة الظاهرية، لقربهم منها. وتبين أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في حالات السرطان. والسبب في عدم وجود إحصائية خاصة ببدو النقب حول عدد حالات السرطان، هو أنه بعد اكتشاف المرض، ينتقل سكان النقب للعلاج داخل إسرائيل التي بدورها ترفض إعطاء أية معلومات حول هذا المرض .
ومن ناحيتهما، أشار الطبيبان محمد الحروب وإسماعيل الطل، المتخصصان في مجالي التوليد والأطفال، إلى أنهما يستقبلان في عيادتهما شهريا ما بين 10- 17 حالة عقم، من نوعية العقم الاول (أي اللواتي لم ينجبن سابقا)، والعقم الثاني (أي اللواتي أنجبن سابقا، وبعدئذ أُصِبْن بالعقم). وهذه الظاهرة ليست مقتصرة على النساء دون الرجال، بل كلاهما يعاني منها.
تشوه مازن ابن الأربعة عشر عاما ولد مازن دون طرف، ويده اليمنى غير مكتملة. سبب هذا التشوه ناتج عن خلل في الجينات. هناك عوامل غير طبيعية أثرت في هذه الحالة، حيث تبين خلو العائلة من أي عامل وراثي للتشوه، فضلاً عن أنه لا توجد صلة قرابة بين الوالدين، كما أن الأم لم تتناول أي دواء في أثناء الحمل. وأكد مازن انه يوجد في الحي الذي يسكن فيه عدد من المعاقين ولاسيما الذين يعانون من تشوهات خلقيه. |
كما أكد كل من الحروب والطل أن هناك نسبة كبيرة من السيدات الحوامل اللواتي أجريت لهن فحوصات تلفزيونية، أظهرت أن الأجنة مشوهة؛ وكان التشوه يتمثل في نقص الأطراف أو الرأس أو تضخم غير طبيعي في جزء من الجنين، حيث أكد الحروب أنه تم تشخيص نحو عشر حالات تشوه لأجنة دون رؤوس. وقد طلب من عدد كبير من السيدات القيام بعمليات إجهاض لأسباب التشوه. وتابع بأن هذا ما نستطيع اكتشافه من خلال التصوير التلفزيوني، لكن هناك بعض التشوهات لا نستطيع كشفها إلا بعد الولادة مثل وجود أطفال دون دماغ أو وجود خلل في العين أو فقدان السمع أو خلل في اللسان أو الأذن.
سرطانات وتشوهات وعقم
سرطان المثانة: الآنسة (ن، ق) 24 عاما، تقول إنها، في أوائل عام 2007، شعرت بمغص شديد لم تستطع تحمله، فتوجهت إلى د.سعادة. وبعد الفحص طلب منها
الطبيب إجراء فحص وعمل صورة في أحد المختبرات. النتيجة كانت ظهور التهابات، لكن الطبيب لم يطمئن، فطلب منها إعادة عمل الصورة مرة ثانية. وعندئذ تبين وجود كيس على المبايض، فتم استئصاله في مستشفى الأهلي بالخليل. وبعد إجراء فحص للأورام التي تم استئصالها، تبين أنها أورام سرطانية في المثانة، فكان هذا الخبر مفاجئاً، لأن أيا من أفراد العائلة لم يعان سابقا من مشاكل صحية مشابهة. بعد بضعة أيام من إجراء العملية، بدأ المرض بالانتشار في سائر أنحاء الجسم، ومن ثم أخذت صفائح الدم تتكسر وانخفضت نسبة الدم، مما تطلب تزويدها بسبع وحدات دم، وهي الآن (حتى كتابة هذا التحقيق) تعالج في مستشفى بيت جالا الحكومي، بواسطة جلسات كيماوية، حيث تساقط شعرها، وبدأ جسمها يضعف، ويبلغ وزنها الآن نحو 40 كغم، وتقول إنها لا تعرف سبب إصابتها بالسرطان الذي انتشر في بلدتها انتشاراً واسعاً. وتابعت القول بأنها كانت تسمع قبل إصابتها أن نسبة كبيرة من سكان البلدة مصابة بهذا المرض، لكنها لم تكن تصدق هذه الشائعات. أما الآن فإنها تؤكد أن إصابات كثيرة بهذا المرض متفشية في بلدتها والقرى المجاورة، وتتمنى أن يتم إجراء فحص لمنطقة الظاهرية، لمعرفة أسباب انتشار السرطان، وأن يتم تقديم العلاج الوقائي لكل الناس من أجل عدم إصابتهم بهذا المرض اللعين .
سرطان وُلِدَ مع الطفل بلال حناتشة (3 سنوات): تشير والدة الطفل بلال إلى أنه منذ ولادته كان يظهر داخل عينيه احمرار في محيط البؤبؤ، وكان في الصباح يواجه صعوبة في فتحهما، لكثرة الإفرازات. ومع استمرار هذه الأعراض، توجهت الأم إلى بعض الأطباء في البلدة لعلاج طفلها، فَوُصِفَ له مرهم خارجي، باعتبار أن الأمر طبيعي. لكن، عندما بدأ بلال يحبو، في الشهر التاسع من عمره، كان يصطدم بالأشياء ولا يعرف أين يتجه، فتوجهت به والدته إلى أحد الأطباء الأخصائيين، وبعد إجراء الفحص تبين أن بلال مصاب بالسرطان في عينه اليمنى. تم تحويله إلى مستشفى هداسا بالقدس، حيث استئصلت عينه خوفا من أن ينتقل المرض إلى العين اليسرى. لكن، بعد شهر، تبين أن العين الأخرى مصابة، فتم استئصالها أيضا. وتوضح والدة بلال بأنه في أثناء إجراء الفحوصات لطفلها في مستشفى هداسا، استفسر الأطباء عن مكان سكن الطفل، وأشار أحدهم إلى أنه قريب من منطقة النقب الملوثة بالإشعاعات. لم تفهم الأم آنذاك ما قاله الأطباء، لأنها كانت متأثرة بما يجري لطفلها الذي أصبح دون عينين. ولم يتوقف المرض، بل أخذ بالانتشار في سائر أنحاء الجسم. وأخبرها الأطباء أنه في عمر الخامسة قد يفارق الحياة. وتابعت القول بأن هناك عدداً من الطلاب والباحثين قدموا إلى المستشفى لمشاهدة طفلها المصاب، وطلبوا منها نقله إلى مستشفى حيفا الحكومي، لإجراء عمليات تجريبية مثل زراعة العيون، لكنها رفضت وأصرت على أن يبقى معها مهما كلف الأمر. وأكدت أم بلال أن منزلها يبعد عن حدود 1967 نحو خمسين مترا، حيث يمر السياج الحدودي بجوار المنزل، وهي مجبرة على التوجه إلى القدس في أية لحظة يشعر طفلها بوعكة صحية، حتى لو كان ذلك مجرد ارتفاع في درجة حرارته. وهي الوحيدة المسموح لها بالتوجه إلى المستشفى، بعد أن رفضت إسرائيل إعطاء والد بلال تصريحا، بذريعة أمنية. وتؤكد أن علاجه مكلف جدا، وأنها أصبحت تعي معنى التساؤلات التي كان الأطباء يطلبون إجابات عنها، وتحديداً حول الإشعاعات في المنطقة التي قد تكون السبب المباشر في إصابة طفلها بلال.
أين تتخلص إسرائيل من نفاياتها النووية؟ يقال إن إسرائيل تخلصت وتتخلص من نفاياتها النووية في المناطق التالية: البحر الأبيض المتوسط، وجبال الخليل في الضفة الغربية، وصحراء النقب، ومنطقة الحلوصة على الحدود المصرية، وفي هضبة الجولان السورية. جميع هذه المواقع قريبة من الشق الجيولوجي الذي يتميز بالنشاط الزلزالي. ويعتقد بعض الخبراء أن مخاطر بيئية وجيولوجية جدية تكمن في دفن هذه النفايات في تلك المواقع، وبخاصة من ناحية تلويث المخزون المائي بالمواد المشعة، ومن ناحية احتمالات تفاعل المواد النووية مع القشرة الأرضية الضعيفة في تلك المناطق. |
عقم دائم: السيدة سمر متزوجة منذ أكثر من عشر سنوات في بلدة الظاهرية، ولم تتمكن من الإنجاب، وتقول إنها توجهت إلى كثير من الأطباء الأخصائيين، وتبين أن زوجها يعاني من ضعف دائم في إنتاج الحيوانات المنوية، وبالتالي يصعب حصول الإخصاب. وقد حاولا الزراعة أربع مرات، فباءت جميع المحاولات بالفشل. ووصف الأطباء حالة زوجها بالعقم الدائم الذي يتعذر علاجه. وأشارت سمر إلى أن نسبة كبيرة من حالات العقم ظهرت في الظاهرية في السنوات الأخيرة، وبخاصة بين الرجال. وأكدت أن في الحي الذي تقيم فيه توجد نحو 20 حالة عقم، عولج بعضها بواسطة عمليات الزراعة، فتمكنت النساء من إنجاب أطفال مرة واحدة. أما البعض الآخر فلا يزال يحاول. وتابعت سمر القول بأن الأطباء أخبروها أن السبب في هذه الحالات قد يكون قرب بلدة الظاهرية من مفاعل ديمونا أو قربها من مكبات ومدافن نووية أو كيماوية. وقالت إن هناك حالات كثيرة من الإجهاض، وطالبت الجهات المختصة بضرورة عمل اللازم من أجل إعادة السعادة إلى مئات الأزواج، بحيث لا يحرم أحد من نعمة الأطفال.
الإحصاءات
أشارت إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية بمحافظة الخليل إلى وجود زيادة ملحوظة في عدد الوفيات الناتجة عن الإصابة بأمراض السرطان التي يزيد عدد أنواعها على 35، يأتي في مقدمتها سرطان الدم، والبروستات، والرئتين، والكبد، والدماغ، والثدي، والمعدة، والغدة الدرقية، والعظام، والبنكرياس، والقولون، والمبيض، والمثانة، والجلد واللسان.
ويبين الجدول الآتي عدد الوفيات في محافظة الخليل بسبب السرطان، بين العامين 2002 و 2006. وبالرغم من ارتفاع عدد الوفيات (بسبب السرطان)، إلا أن الكثير من المصابين يعيشون فترات طويلة:
الوفيات في محافظة الخليل بسبب السرطان
السنة | عدد الوفيات بسبب السرطان |
2002 | 105 |
2003 | 119 |
2004 | 134 |
2005 | 144 |
2006 | 116 |
إذن، يتضح من الجدول السابق أن محافظة الخليل سجلت 618 حالة وفاة بسبب الأمراض السرطانية، وذلك خلال خمس سنوات (2002 – 2006).
وبعد مراجعة أسماء المتوفين ومناطق سكنهم تبين أن حصة الأسد تتركز في بلدات يطا والظاهرية ودورا والخليل، حيث تصل النسبة في بلدة الظاهرية إلى 20% من إجمالي عدد الوفيات، وفي يطا نحو 22%.
أما بالنسبة لمرضى السرطان الذين ما يزالون على قيد الحياة، فقد اعتذرت وزارة الصحة السماح للدكتور عبد الرازق سلهب، رئيس قسم أبحاث السرطان في مستشفى بيت جالا، بإعطاء أية معلومات عن عدد المصابين، علما أن كتابا بهذا الخصوص وجه للدكتور عنان المصري، وكيل وزارة الصحة.
وبالرغم مما ورد، فقد تمكنا من الحصول على بعض الإحصائيات الرسمية المتعلقة بحالات السرطان في بلدتي الظاهرية ويطا، بالإضافة إلى إحصائيات من مصادر طبية خاصة. ويبين الجدول الآتي خلاصة هذه الإحصائيات:
حالات السرطان في بلدتي الظاهرية ويطا
المنطقة | عدد السكان | عدد الضحايا | نوع المرض | البعـد عن المفاعل أو مكب النفايات |
الظاهرية | 30 ألفاً | 250 | سرطان الدم والرئتين والثدي | عن المفاعل نحو 17 كم هوائي وعن المكب 10 كم |
يطا | 70 ألفاً | 174 | سرطان الدم والرئتين والثدي | عن المفاعل 11 كم هوائي وعن المكب 8 كم |
ملاحظة هامة: الإحصائيات الخاصة ببلدة الظاهرية مصدرها أطباء يعملون في البلدة، وهي تبين أن نحو 1% من السكان يعانون من أمراض سرطانية. أما بالنسبة للإحصائيات الخاصة ببلدة يطا فمصدرها وزارة الصحة وبلدية يطا اللتان أوضحت أن المعدل طبيعي، رغم أن كثيرين من المواطنين والأطباء شككوا في عدد الحالات في بلدة يطا، واعتبروا أنها أكبر من ذلك. أما بالنسبة لحالات العقم فلا توجد إحصائية واضحة، بينما تؤكد مصادر طبية من بلدتي الظاهرية ويطا وجود نسب عالية من حالات العقم.
في العدد 13 (كانون الثاني 2005) من ملحق البيئة والتنمية الصادر عن مركز العمل التنموي / معا، نشر تقرير بعنوان " الكارثة الإشعاعية مستمرة في بلدة الظاهرية"، جاء فيه أن النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور حسن خريشة أكد حقيقة المعلومات المنشورة في البيئة والتنمية حول انتشار الأمراض الناتجة عن الإشعاعات في بلدة الظاهرية، من خلال الاتصال مع بعض الأطباء، ومعاينة بعض الحالات، وانتشار ظاهرة تساقط الشعر انتشاراً واسعاً. وأضاف خريشة، في نفس التقرير، أن المجلس رفع مذكرات إلى الأمم المتحدة والعديد من الجهات الدولية لاسيما مؤسسات حقوق الإنسان مطالباً بتوزيع حبوب لوغول على الفلسطينيين، كخطوة أولى، كما فعلت الحكومة الإسرائيلية بتوزيعها اللوغول على اليهود، وما زلنا نتظر الرد. وتابع خريشة القول إنّه تمت مخاطبة البرادعي (رئيس وكالة الطاقة الذرية) عندما زار مفاعل ديمونا وإخباره بالأخطار الناتجة عن المفاعل وما يعانيه سكان المنطقة، لاسيما في محافظة الخليل، من الإشعاعات النووية، سواء الصادرة عن مكبات النفايات النووية أو عن المفاعل، مطالبين بحماية الشعب الفلسطيني وذلك حسب اتفاقية جنيف الرابعة. |
|
وفي العدد 25 (شباط 2006) نشر تقرير أخر حول الظواهر المرضية المقلقة في قرى جنوب الخليل والتي يعتقد أنها ناتجة عن ارتفاع المستوى الإشعاعي النووي أكثر كثيراً من المعدل الطبيعي. وقد ورد في ذلك التقرير أن الحالات السرطانية ما تزال تتفاقم بوضوح، فضلا عن ظهور مرض جديد يطلق عليه اسم "الإرهاق المزمن"، وهذا ما ينطبق على عدد كبير من المراجعين؛ حيث إنهم يعانون من إرهاق شديد يجعلهم يتحركون بصعوبة، كما أن هناك انتشاراً كبيراً لأمراض المعدة وحالات العقم. |
المواد النووية المسببة للأمراض والتشوهات
اعتمد التقرير حول وجود مكبات نووية وتسرب إشعاعي في مناطق بجنوب الخليل، الذي نشر في عام 2004 في ملحق البيئة والتنمية الصادر عن مركز العمل التنموي / معا، على بعض الفحوصات التي أجراها خبراء فلسطينيون في القاهرة قبل بضع سنوات من نشر التقرير، وذلك لمعرفة المواد المشعة المنتشرة في المنطقة ومصدرها.
التشوهات والإعاقات تشير إحصائية لبلدية الظاهرية (نهاية عام 2005) إلى وجود 400 حالة إعاقة وتشوه، في حين تشير إحصائية أخرى مصدرها جمعية الظاهرية الخيرية إلى أن عدد المعاقين أكثر من 800 (أي نحو 2.7% من مواطني الظاهرية!)، منهم 48% يعانون من تشوهات خلقية.وفيما يتعلق بحالات التشوه والإعاقة في بلدة يطا، أشارت مصادر قسم الصحة في البلدية إلى وجود 2600 حالة إعاقة وتشوه (أي نحو 3.7% من مواطني يطا!)، وأن ما نسبته 52% عبارة عن تشوهات خلقية |
وفي عام 2005 تم تزويد جامعة الخليل بجهاز متطور لقياس نسبة الإشعاعات في أي جسم، والكشف عن العنصر المشع (Hyperpure Germanium Detector). وبإمكان هذا الجهاز تنفيذ قياسات دقيقة للإشعاعات الصادرة عن العناصر والمركبات المشعة. وتجري الفحوصات في العادة، على عينات من التربة أو الصخور أو الهواء. وفي عام 2006 أجرى الدكتور خليل ذباينة المتخصص في الفيزياء النووية (إشعاعات مؤينة وغير مؤينة) فحوصات شملت مناطق الظاهرية ويطا وبعض البلدات للتعرف على العناصر المشعة المسببة للأمراض. وكانت النتائج كما يلي:
1. تم رصد وقياس تركيز عنصر السيزيوم 137 المشع، علما بأنه غير موجود في الطبيعة، وإنما ينتج عن التجارب النووية والتسرب الإشعاعي للمفاعلات النووية. وأشارت النتائج إلى وجود هذه المادة بنسب عالية وصلت في الظاهرية إلى 17 بيكريل/كغم، وفي يطا 36 بيكريل/كغم. ويولد هذا العنصر جرعات إشعاعية عالية تصل إلى 130 نانوغرام/ساعة (وحدة قياس الجرعات الإشعاعية). وبالمقاييس العالمية يعتبر هذا المقدار من الأشعة مرتفعاً جدا ويتسبب في حدوث مشاكل صحية. لسكان تلك المناطق .
2. تم قياس تركيز عنصر اليورانيوم 238 ( عنصر طبيعي) ووصل تركيزه في بعض المناطق 105بيكريل/كغم، وفي مناطق أخرى وصل الى 155 بيكريل/كغم، علما بأن الحد المسموح به عالميا لهذا العنصر هو 35 بيكريل/كغم. والجدير بالذكر أن هذا العنصر طبيعي وموجود في القشرة الأرضية. وقد تكون منطقة ما غنية بشكل طبيعي بهذا العنصر (اليورانيوم 238)، إلا أن سبب ارتفاع تركيزه في المناطق الجنوبية ناتج عن دفن مخلفات اليورانيوم 238 بعد تخصيبه وتحويله الى عنصر البلوتونيوم 239 الذي يستخدم في تصنيع القنابل النووية، والمتبقى بعد التخصيب يورانيوم منضب يتم دفنه، مما يؤدي إلى ارتفاع تركيزه في محيط المواقع التي يدفن فيها.
3. أشارت الدراسات الإسرائيلية إلى ارتفاع تركيز اليود131 المشع في المناطق المجاورة لمفاعلي "ديمونا" و"ناحال سوريك"، وهذا ناتج عن التسربات الإشعاعية المتولدة من الصناعات النووية الإسرائيلية؛ لذا، وزعت الحكومة الإسرائيلية أقراص اليود غير المشع على سكان النقب، وذلك لتشبيع الغدة الدرقية به، وبالتالي منع امتصاصها لليود المشع.
وأكد ذباينة أن دراسته التي أثبتت وجود عناصر مشعة أخرى، ستنشر خلال الفترة القادمة، وذلك بعد الانتهاء من فحص المواد المشعة في المياه بمنطقة جنوب الخليل، بمساعدة زميئيه د. فخري حسن وأ.ليليا مشعل.
أما الدكتور عدنان لحام مدير مركز علوم وتكنولوجيا الإشعاع في جامعة القدس وممثل فلسطين في منظمة الصحة العالمية في موضوع الإشعاع، فيقول إنه بعد توافر الأجهزة اللازمة لقياس الإشعاع وقيام الجامعة بتأسيس برنامج الدراسات الإشعاعية (المؤينة وغير المؤينة ) الذي يمنح رسالة الماجستير بهذا التخصص، بادر هو وبعض طلاب الماجستير بإجراء فحص لرصد جميع العناصر المشعة في البيئة الفلسطينية، من خلال فحص التربة والهواء، وذلك باستخدام ما يعرف بمطيافية أشعة جاما. وشمل البحث محافظات الخليل وبيت لحم وأريحا. وأشارت النتائج إلى مايلي :
1. تحتوي جميع المناطق التي تم قياسها على العناصر المشعة الطبيعية الناتجة عن متسلسلات عناصر اليورنيوم والثوريوم والبوتاسيوم المشع، عدا بعض المناطق مثل بيت ساحور ومناطق الخليل التي تم الكشف فيها عن عنصر صناعي وهو السيزيوم 137، مما يشير إلى تسربات إشعاعية وصلت إلى المنطقة. ويتوقع أن يكون أحد مصادر هذه الإشعاعات حادثة شيرنوبل ومفاعل ديمونا. ومن المؤكد أنه لو تم رصد عنصر السيزيوم 137 لأصبح بالإمكان معرفة مصدره الحقيقي، وكذلك إن كان ناتجا عن السقط الإشعاعي العالمي للتفجيرات النووية التي كانت تحدث أسبوعيا في العالم .
2. يوجد في إسرائيل منشأة تعمل على تصنيع الوقود النووي المحترق، وقد تكون هذه المنشأة هي المصدر الرئيس لتلوث المنطقة بالإشعاع .
3. بالنسبة لمحافظة الخليل فقد تم قياس ما يقارب 25 كم2 من بعض المناطق بالمحافظة، وستنشر الدراسة قريبا.
4. لا يمكن نفي أو إثبات أن السرطان المتفشي في المنطقة ناتج عن الإشعاعات النووية، إلا أن هناك بعض المؤشرات التي إن وجدت فإنها تدل على وجود إشعاعات نووية. وأهم هذه المؤشرات انتشار سرطان الغدة الدرقية بشكل واضح والذي يعنى أنه ناتج عن اليود المشع الذي لا ينتج إلا عن المفاعلات والقنابل النووية. ويعد عنصرا اليود والسيزيوم المشعان من أخطر العناصر على الإنسان. كما أن انتشار سرطان العظام يدل على وجود اليورانيوم المنضب .
واليورانيوم المنضب موجود في كل أنواع الأسلحة، حتى في رصاص المسدس، وذلك بسبب قدرته العالية على الاختراق. ومن المعروف أن قذيفة اليورانيوم المنضب عندما تصيب الهدف فإن من 30- 80% من اليورانيوم يتحول الى أكاسيد اليورانيوم التي يعد استنشاقها قاتلا.
ويشير لحام إلى أن غاز الرادون 222 الطبيعي يعد أيضا من العناصر الخطرة الأساسية، إذ إنه يتواجد حيثما يوجد اليورانيوم والثوريوم. وهذا الغاز مسئول عن 30% من سرطانات الرئة. وقد أثبتت الدراسات الإسرائيلية هذه المسألة، حيث أعد الإسرائيليون خريطة تبين مواقع انتشار غاز الرادون، وتوضح الخريطة أن هذا الغاز ينتشر بشكل خاص في خمسة مواقع في فلسطين، علما بأن منطقة التلة الفرنسية بالقدس تعد الأعلى تركيزا من بين المناطق المذكورة.
ويضيف لحام أنه إذا أراد الأطباء الفلسطينيون فحص مدى تعرضنا للإشعاعات، فيجب عليهم أن يفحصوا الكروموزومات؛ حيث إن التأثير الأول للرادون على الصحة يكون من خلال تكسير الكروموزومات، ومن ثم إحداث الطفرة السرطانية، علما بأن الدراسات أثبتت أن المياه الجوفية في فلسطين تحوي تركيزا مرتفعا من عنصري الرادون والراديوم.
سلطة البيئة: لا نملك أجهزة لقياس الإشعاع
يشير الدكتور عدنان جودة، مدير دائرة الإشعاع البيئي في سلطة جودة البيئة الفلسطينية، إلى أن دائرته كانت تستقبل يوميا شكاوى من مواطني بلدتي الظاهرية ويطا الذين كانوا يتذمرون من ارتفاع حالات السرطان. وأصر المتصلون على أن مفاعل ديمونا هو السبب؛ لذا، لم يكن بد من التحرك لعمل أي شيء، حيث كان الناس مذعورين. إلا أن عدم امتلاك السلطة الفلسطينية للأجهزة الخاصة بقياس الإشعاع، بسبب رفض إسرائيل دخولها إلى مناطق السلطة، جعل المهمة صعبة جدا. وآنذاك (عام 2005) خاطب جودة الدكتور يوسف أبو صفية رئيس سلطة جودة البيئة، الذي قدم بدوره طلبا إلى وكالة الطاقة الذرية والبرادعي شخصيا، من أجل تزويد سلطة البيئة بالأجهزة اللازمة أو بتكليف خبراء لإجراء القياسات في المنطقة، وبالتالي يتعرف المواطن على حقيقة الوضع. وأكد جودة أنه حتى الآن لم يتم الرد على الرسالة، وأن سلطة البيئة لا يمكنها نفي أو إثبات وجود إشعاعات أو مكبات نفايات نووية، لعدم توافر الأجهزة اللازمة. ونوه جودة إلى أنه حتى لو لم يثبت وجود تسرب إشعاعي، فإن في المنطقة قنبلة موقوتة تتمثل في مفاعل ديمونا، حيث تشير التوقعات إلى احتمال انفجاره في أية لحظة، وبخاصة لو ضرب المنطقة زلزال متوسط أو قوي، فستحل عندئذ الكارثة التي تدمر البيئة والإنسان.
شابيرا : هناك حالات كثيرة
الدكتور ميخائيل شابيرا من مستشفى هداسا الإسرائيلي بالقدس والمتخصص في علاج أمراض السرطان، أكد أن الكثير من مرضى السرطان يتوجهون إليه من جميع المناطق الفلسطينية لتلقي العلاج. ورفض إعطاء إحصائيات ومعلومات عن مسببات هذا المرض، وطلب التوجه إلى وزير الصحة الفلسطينية من اجل الحصول على المعلومات الكافية حول الموضوع. ونفي شابيرا أنه صرح في سنة 2005 لوسائل الإعلام بأن هناك مواد أو عناصر غير طبيعية موجودة في يطا والظاهرية أدت إلى حدوث السرطان .
صحيفة القدس نشرت في 26/4/2005 خبراً مفاده أن الطبيب الإسرائيلي ميخائيل شابيرا من مستشفى هداسا، أكد صحة المعلومات الواردة عن انتشار مرض سرطان الدم على نحو غير طبيعي في منطقة جبل الخليل، وبلدة يطا تحديداً، ولم يستبعد الطبيب أن يكون لذلك علاقة بمخلفات نووية وكيماوية خطيرة يتم دفنها في مناطق تتاخم تلك البلدة دون رقابة، موضحاً أن انتشار سرطان الدم لدى عشرات المواطنين يعني وجود تلوث خطير في مصادر المياه.
خلاصة واستنتاجات
يوجد الكثير من المؤشرات والمعطيات حول انتهاكات إسرائيلية بيئية تتسبب في ارتفاع المستوى الإشعاعي النووي في قرى جنوب الخليل. وكما يبدو، يكمن السبب الأساسي لارتفاع المستوى الإشعاعي، في النشاطات العسكرية النووية الإسرائيلية في صحراء النقب، وفي المواقع المشكوك بأنها تحوي مكبات النفايات النووية في بعض المناطق الواقعة جنوبي الخليل.
وهناك تصاعد مخيف في انتشار الأمراض المرعبة التي من المعروف أنها ناتجة عن تأثيرات إشعاعية، تماما كما ثبت من قبل في العراق وكوسوفو. ومن هذه الظواهر المرضية التي يزداد انتشارها في بعض التجمعات السكانية في جنوب الخليل، وبخاصة في بلدتي يطا والظاهرية ومحيطهما: تساقط الشعر وتوقف النمو الطبيعي، بالإضافة إلى العقم والتخلف العقلي والإعاقات الجسدية والأمراض السرطانية لدى مئات الفلسطينيين.
هناك أطفال يولدون بلا أيدٍ وآخرون يعانون من فقدان البصر ومن إعاقات حركية ومن تشوهات في أعضائهم الداخلية أو الخارجية. كما أن نسبة مشاكل العقم عند كلا الجنسين مروعة، ناهيك عن حالات توقف النمو (أطفال أعمارهم 8 سنوات ووزنهم لا يتجاوز 5 كغم) والأمراض السرطانية والغامضة التي تطارد الأهالي.
إن ما نشر قبل أكثر من سنتين حول قرار الحكومة الإسرائيلية توزيع أقراص "اللوغول" على الإسرائيليين في المدن الإسرائيلية المجاورة لمفاعل "ديمونا" النووي ولمركز الأبحاث النووية "ناحال سوريك"، وذلك كي تُسْتَخْدَم هذه الأقراص - التي تمنع تسرب المواد الإشعاعية المُسَرْطِنَة إلى الجسم - في حال حدوث تسرب إشعاعي نووي- إن ما نشر بهذا الصدد، يؤكد على نحوٍ قاطع، أن الوضع الإشعاعي النووي الإسرائيلي وصل الخط الأحمر، وأصبح يشكل خطرا جديا على حياة اليهود أنفسهم، فما بالك به على العرب القاطنين في محيط المناطق المشكوك بأنها تحوي مكبات نفايات نووية في جنوب الخليل؟
ومع ذلك فلا أحد من المسؤولين الفلسطينيين كلف نفسه عناء تنظيم زيارات ميدانية إلى المناطق المشكوك بأنها موبوءة بيئيا وإشعاعيا، ولو من باب التعاطف. واكتفى بعض الرسميين بالقول إنه رفع مذكرات إلى الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، ولم يتلق أي رد منها، وكفى الله المؤمنين شر القتال!
أما البعض الآخر، ولأسباب ودوافع غير واضحة، فقد حاول التقليل من شأن ما نشر حول الإشعاعات النووية والظواهر المرضية الناتجة عنها في منطقة الخليل، مدعيا عدم وجود ظاهرة غير طبيعية أو وجود ظاهرة مقلقة في منطقة الخليل، بل نفى وجود نسبة إشعاع فوق المعدل الطبيعي في المنطقة.
وفي المقابل، أكد طبيب إسرائيلي من مستشفى هداسا، في (أواسط عام 2005)، أنه لا يستبعد أن يكون لانتشار حالات سرطان الدم على نحو غير طبيعي في منطقة جنوب الخليل، التي تم تحويلها إلى المستشفى الإسرائيلي للعلاج، علاقة بمخلفات نووية وكيماوية خطيرة يتم دفنها في تلك المناطق دون رقابة!
وإثر تصريح الطبيب الإسرائيلي المذكور، مورست عليه، كما يبدو، ضغوط إسرائيلية لإسكاته، وبالفعل نفى الناطق بإسم مستشفى هداسا، في اليوم التالي، ما قاله الطبيب، وأعلن بأن المستشفى لا علاقة له بما ذكرته صحيفة القدس (26/4/2005) على لسان الطبيب.
وهنا نذكِّر بأن أحد مراقبي التحكم بالأشعة في مفاعل "ديمونا" الإسرائيلي، اكتشف في أثناء عمله (عام 2005) أن جهازاً لقياس النشاط الإشعاعي كان يشوبه الخلل؛ وبالتالي كان الجهاز يشير، فترة طويلة، إلى أن المستوى الإشعاعي "مقبول". وبعد تغيير الجهاز المعطوب بجهاز جديد، أشار الجهاز الأخير، في نفس المكان بالمفاعل، إلى تلوث إشعاعي مرتفع (صحيفة يديعوت أحرونوت، 17/4/2005)حروأ . هذا يعني، أنه، حتى في مفاعل "ديمونا"، كانت، سنين طويلة، نتائج قياسات المستوى الإشعاعي النووي خاطئة وأقل من الحقيقة، فما بالك بالمناطق الفلسطينية التي يعتقد أنها موبوءة إشعاعيا. فهل ما تمتلكه الجهات الفلسطينية الرسمية من أجهزة لقياس المستوى الإشعاعي أكثر تطورا ودقة من الأجهزة الإسرائيلية المستخدمة في مفاعل "ديمونا"؟ وفي كل الأحوال، من المؤكد، أن الجهاز الإسرائيلي المعطوب في "ديمونا" أكثر تطورا ودقة، بما لا يقارن، من الجهاز الفلسطيني. ونشير هنا، إلى أن أكثر من مئة دعوى قضائية رفعت في السنوات الأخيرة ضد مفاعل "ديمونا"، من عمال إسرائيليين في المفاعل أصيبوا بأمراض سرطانية، أو من أسر العمال الذين توفوا في السنين الأخيرة بسبب تعرضهم لإشعاعات نووية في أثناء عملهم في المفاعل.
وحاليا فإن المطلوب من كل المعنيين، سواء في ذلك وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، والمؤسسات العلمية ذات الصلة، والجهات المهتمة بالقانون وحقوق الإنسان والبيئة، أن يرفعوا صوتهم عاليا وأن يشكلوا قوة ضاغطة باتجاه فرض تدخل المجتمع الدولي، لإرسال فريق فني دولي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، لفحص مستويات الإشعاعات التي خلفها الاحتلال في تلك الأراضي بوجه عام، وفي مناطق جنوب الخليل بوجه خاص، وآثارها المرضية الخطيرة الواضحة على السكان.
ولا بد من تصعيد الضغوط الدولية الجدية على "إسرائيل"، لإرغامها على الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وإخضاع برنامجها النووي للرقابة الدولية، علما بأن "الدولة اليهودية"، بما تملكه من ترسانة عسكرية نووية، تشكل خطرا وجوديا جديا، ليس فقط على مئات الملايين العرب، بل على مجموع البشرية أيضا.
ثائر فقوسة وجورج كرزم
خاص بمجلة "آفاق البيئة والتنمية"